الولايات المتحدة: هدف المهاجرين
الهجرة كانت دوما موجودة، يقول هايرمان، وفي السابق كان الناس يهاجرون أولا “لتتعرف على مناطق جديدة”. واليوم توجد للهجرة أسباب متعددة :” من جهة لدينا ما يُسمى النزوح الإنساني. يعني أن الناس يهربون من الاضطهاد والحروب أو ما شابه ذلك، ومن جهة أخرى لدينا الهجرة التي تعود لأسباب تعليمية أو كلم الشمل العائلي. وهناك أيضا أشكال ممزوجة لا يمكن حصرها في أي مجال. ” يقول هايرمان ويضيف: “أصبح الناس يتمتعون بحركة أكبر.. وعلى أساس العولمة هناك عدد أكبر من الناس قادر على الهجرة”.
وحتى العوامل الاقتصادية تلعب دورا. فالمؤلفون يتحدثون في هذا السياق عن “فجوة الرفاهية” الهائلة الموجودة بين الدول الصناعية والمناطق الأقل تطورا في العالم. وفي هذه المناطق الأخيرة تنقص في الغالب مواطن عمل لتمكين الشباب بناء مستقبلهم. والنتيجة بالنسبة إلى الخبراء واضحة: لاسيما في مجموعة البالغين بين 20 و 39 عاما يكون من خلال ذلك “تحفيز” للهجرة.
مهاجرون من المكسيك في اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية
والأعداد التي قدمها الخبراء مثيرة للغاية. ففي عام 2017 وحده كان 258 مليون شخص يُعتبرون كمهاجرين دوليين. وهذا يعني أنهم كانوا يقيمون خارج البلد الذي وُلدوا فيه. وهذا الرقم قد يرتفع في السنوات المقبلة. ومن استطلاعات قام بها معهد بحوث السوق والرأي، غالوب، ومقره واشنطن يتضح أن نحو 750 مليون شخص على مستوى العالم بإمكانهم أن يتخيلوا الانتقال إلى بلد آخر في حال وجود إمكانية لذلك. وهذه النسبة تعكس 15 في المائة من عدد السكان الكبار في العالم.
الولايات المتحدة: هدف المهاجرين:
حسب دراسة معهد غالوب فإن الرغبة في الهجرة بنسبة 33 في المائة في بلدان جنوب الصحراء هي الأعلى. وفي أمريكا اللاتينية والكاريبي حيث أن تلك الرغبة ازدادت بقوة منذ عام 2010 لتصل النسبة إلى 27 في المائة. وفي الشرق الأوسط وشمال افريقيا تصل إلى 24 في المائة. أما في المناطق المختلفة في آسيا فتتراوح المقابل بين 7 إلى 8 في المائة فقط.
أدريان هايرمان يوضح أن الاتحاد الأوروبي لا يشكل بأي حال من الأحوال “الهدف المنشود” لغالبية المهاجرين. ربما، كما يقول الخبير حصل ذلك في السنوات الماضية “في بعض أجزاء أوروبا لكن من ينظر إلى حجم تدفقات الهجرة من أمريكا اللاتينية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فإنه يعترف بسرعة أن تحركات الهجرة هناك لها حجم آخر بالمقارنة مع وجهة أوروبا”.
الولايات المتحدة الأمريكية كهدف للهجرة: هذا التوجه قائم على مستوى العالم. وحسب معهد غالوب فإن كل واحد من بين خمسة أشخاص أي 21 في المائة من المهاجرين عالميا يذكر الولايات المتحدة الأمريكية كهدف مرغوب فيه. وهذا يعكس نحو 158 مليون شخص. وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة ستكون على التوالي جذابة لـ 42 و 36 و 34 مليون شخص.
مهاجرون سوريون في طريقهم عبر اليونان وعينهم على أوروبا
أن يحتل الاتحاد الأوروبي مكانة وراء الولايات المتحدة الأمريكية، فهذا يعود حسب وجهة نظر المؤلفين كذلك إلى سياسة الهجرة في الاتحاد. وبما أن الأخير “على أبعد تقدير” منذ أعداد اللاجئين المرتفعة في 2015 يهدف إلى تقليص الهجرة (غير الشرعية)، فإن “عدد الباحثين عن الحماية انخفض بشكل واضح”. وغالبية السكان توافق على هذه السياسة.
وحسب دراسة لمفوضية الاتحاد الأوروبي من عام 2018 لدى 53 في المائة من مواطني الاتحاد الأوروبي مواقف “متشككة إلى سلبية” تجاه الهجرة من دول غير أوروبية. وهذا تقدير خاطئ للوضع الذاتي، كما يشرح هايرمان وزملاؤه، لأن الاتحاد ، كما يفيد التحليل الواقعي يحتاج فقط بسبب “الشيخوخة المتزايدة للمجتمعات” إلى مزيد من الهجرة. وعدد متزايد من مواطني الاتحاد الأوروبي ينتقل إلى التقاعد، والنتيجة هي أنه في المستقبل سيوجد عدد أقل من دافعي الضرائب في صناديق التقاعد. وتكاليف أنظمة الصحة والرعاية ستزداد.
ورغم هذه الصورة المستقبلية القاتمة، فإن هايرمان وزملاؤه لا يرغبون في ترك قارئي دراستهم بدون أمل. فبفضل ميثاق الهجرة العالمي الذي صادقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2018 بغالبية ساحقة، يوجد مثلا لأول مرة إطار تعاون لتنسيق سياسة الهجرة عالميا. وحتى في ألمانيا توجد علامات حذرة أولية توحي بأن “شيئا يتحرك”. فبفضل قانون جلب المهارات المختصة المصادق عليه في مارس 2019 قامت الحكومة الألمانية بخطوة حذرة لتوطيد إمكانيات الهجرة القانونية لاسيما لليد العاملة المختصة.