الهجرة الفلسطينية وقضايا للمناقشة
الهجرة الفلسطينية
الهجرة الفلسطينية وقضايا للمناقشة :مثّلت الهجرة الفلسطينية أحد محاور المؤتمر؛ إذ يبرز المجتمع الفلسطيني نسبًا مرتفعة على مستوى الذكور والإناث في الهجرة الدولية. وأبرزت بحوث المؤتمر أن المجتمع الفلسطيني ما يزال في مقدمة المجتمعات المرسلة للهجرة. وقد بحث هذا المحور هذه الإشكالية على ثلاثة مستويات. مستوى الهجرة للفلسطينيين، ومجتمع “الهجرة” الفلسطيني في لبنان، و”الشتات الفلسطيني” في العالم.
في المستوى الأول، أظهرت بحوث هذا المحور، في ضوء الأرقام الوطنية، أن الشباب الفلسطيني من الفئة العمرية (15-29 سنة) يمثل نحو 30% من حجم السكان الإجمالي في “دولة فلسطين”، لكن يلاحظ تطلع فئة كبيرة منهم نحو الهجرة إلى الخارج (نحو ربع الشباب). وذلك في ظل الأوضاع السائدة وارتفاع معدلات البطالة والفقر خاصة في قطاع غزة. ووفق معطيات عام 2015، فإن المجتمع السكاني الفلسطيني فتي.
إذ ترتفع نسبة صغار السن والشباب فيه مقارنة بالفئات العمرية الأخرى نتيجة لارتفاع معدلات الإنجاب والخصوبة. فقد بلغت نسبة الأفراد في الفئة العمريـة (0-14 سنة) نحو 39% من مجمل السكان فـي فلسطين عام 2016. وبلغت نسبة الأفراد (15-29 سنة) 30%، في حين بلغت نسبة الأفراد الذين تبلغ أعمارهم (60 سنة فأكثر) 5% فقط. وأشارت الدراسة إلى أن أكثر من ثلاثة أخماس المهاجرين من فئة الشباب (15-20 سنة). لكن يلاحظ فيهم أن هجرة الكفاءات البشرية، وفق تعريف إجرائي مرتبط بتحصيل البكالوريوس، تمثّل نحو 36% من إجمالي المهاجرين للخارج.
لشدة تضييق السلطات
تطرقت مجموعة أخرى من البحوث إلى الهجرة الفلسطينية وقضايا للمناقشة. ويعيش الفلسطينيون في لبنان لاجئين، وهم الأكثر حرمانًا من حقوقهم المدنية والاقتصادية والاجتماعية “المواطنية”. والأكثر معاناة لشدة تضييق السلطات عليهم. ويعتمد ما يراوح حجمه بين 260 ألفًا و280 ألفًا من جملة 450 ألف لاجئ فلسطيني مسجل في لبنان وفق تقرير الأونروا لعام 2016، على معونات هذه المنظمة. في حين تظهر بيانات رسمية لبنانية لعدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى المديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين 592711 لاجئًا في نهاية عام 2015. ويعزى الفرق بين أرقام أونروا والأرقام الأخيرة إلى تعريف اللاجئ من فلسطين إثر نكبة 1948، بينما يعزى الفرق بين العدد المسجل والعدد المقيم فعليًا إلى الهجرة. وإجمالًا، فإن عامل الهجرة المتواصلة يفسر انخفاض حجم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان عقب نزوحهم في عام 1948 من نحو 10% من السكان المقيمين في لبنان، إلى نحو 5.5% من مجمل السكان المقيمين حاليًا على الأراضي اللبنانية.
وقد أضيف إلى حجم الفلسطينيين نتيجة الحرب في سورية (وفق أرقام أيار/ مايو 2016) نحو 40 ألف لاجئ فلسطيني مهاجر قسريًا من سورية، انضم معظمهم إلى أقربائهم أو معارفهم أو إلى العيش في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بلبنان. وكلهم يعتمدون على معونات الأونروا.
اللاجئون الفلسطينيون في لبنان
يعزى ثبات الأرقام النسبي في استقصاء عام 2010 واستقصاء عام 2016 (260 ألفًا و280 ألفًا على التوالي) إلى الهجرة الخارجية المتواصلة للفلسطينيين من لبنان. إذ يعاني اللاجئون الفلسطينيون في لبنان حالات العسر الشديد؛ فمن هم يعيشون تحت خط الفقر الأدنى تبلغ نسبتهم نحو 28% من عدد اللاجئين في لبنان؛ أي أكثر من الربع يعتمدون في عيشهم على ما تقدمه الأونروا من مساعدة غذائية. وهو ما يدل على الوضع المزري الذي تعيشه هذه الفئة بسبب القيود الشديدة على تشغيل الفلسطينيين في لبنان. والبطالة الهيكلية هي سمة من محددات المجتمع الفلسطيني في لبنان.
إذ بلغ معدل بطالة الشبان والشابات عام 2014 نحو 45% و65% على التوالي، مع الإشارة إلى أن أكثر من 55% من الفلسطينيين هم دون سن الثلاثين. وترتفع هذه البطالة في أوساط الفلسطينيين المتخرجين في الجامعات والمعاهد الفنية العالية (T.S, L.T) إلى 42%. فضلًا عمن يعمل منهم في غير مجالات تخصصه وفي بعض الزوايا الضيقة التي يسمح بها القانون اللبناني. وقد حكمت مجمل الشروط التي يعيش فيها الفلسطينيون في لبنان، بما فيها انعدام شروط الأمن الإنساني في المخيمات وانتشار السلاح العشوائي واختلال الأمن، ظاهرة موجات الهجرة الفلسطينية المتتالية والتراكمية من لبنان.
توصيات وقضايا للمناقشة:
تشكيل مفوضية أو مرصد استقصائي وبحثي خاص بالهجرة الفلسطينية وقضايا للمناقشة . يحفز الدول الأعضاء كما الدول المستقبلة للهجرة على تبني سياسة جديدة تخضع لمقاربة “رابح رابح رابح” (Triple win) للفاعلين المعنيين: المهاجر، والدول الموفدة، والدول المستقبلة. ويساعد الدول الأعضاء على وضع سياساتها في مجال الهجرة. والتشبيك بين هذه المؤسسة المقترحة ومؤسسات ومراكز البحث ومراصدها المعنية بدراسات الهجرة.عمل جامعة الدول العربية على وضع قواعد أساسية لإقامة نظام للهجرة متفاوض عليه بمنطق الشراكة مع دول الاتحاد الأوروبي والبلدان الغربية المستقبلة للهجرة. يحمي مصالح كلا الشريكين العربي والأوروبي، ويحفز السياسات القطرية العربية لكل دولة عضو في الجامعة على تبنيها في المفاوضات الثنائية.
تشجيع المثقفين والباحثين العرب المهاجرين على العمل للتأثير في الرأي العام الأوروبي من خلال النظام الإعلامي المفتوح.لتغيير استمرارية الصور النمطية الدونية للمهاجر في تغذية متخيلات الرأي العام الأوروبي وتصوراته. وكبح جماح الإسلاموفوبيا، وتخفيف وطأة الاتجاهات اليمينية واليمينية الجديدة المعادية للمهاجرين أو لمن هم من ذوي أصول أجنبية.رفع معدل الإنفاق على البحث العلمي، بما لا يقل عن (1%) من الناتج المحلي الإجمالي، وهي النسبة الدنيا الموصى بها عالميًا. والربط بين الكفاءة الداخلية للبحث العلمي والكفاءة الخارجية في تفعيل عملية التنمية.الاهتمام بجودة التعليم العالي عمومًا والتعليم ما بعد الجامعي خصوصًا، وعقد شراكات فعالة مع العديد من الجامعات العالمية التي تتوجه إليها الهجرة الطلابية العربية لإكمال الطلبة العرب دراساتهم العليا.
توصيات
تفعيل سياسات “كسب الكفاءات” (Brain Gain) وبرامجها وأدواتها واستعادتها، مثل تعزيز الشبكات العلمية، وتفعيلها من خلال الاستفادة من تجارب دولية رائدة لكسب هذه الكفاءات، في تشيلي والمكسيك وجنوب أفريقيا والهند، وخصوصًا في الصين. مثل تجمّعات (Overseas Chinese Professionals) التي تجمع اليوم ما يناهز مليون شخص يعملون في أكثر من 200 جمعية، مع تركيزات عالية في أميركا الشمالية وتعمل كلها تحت شعار (weiguo fuwu) الذي يعني “خدمة الوطن الأم”. كما يمكن لهذه البرامج استهداف الكفاءات العربية “الشابة”.
من طلبة الدكتوراه أو ما بعد الدكتوراه أو المتخرجين حديثًا في مجالات الطب والهندسة والإدارة وسواها، لتسهيل استقطابهم بعد تخرجهم.الاستفادة من التجارب الدولية لبرامج نقل المعرفة (TOKTEN) عن طريق الكفاءات المهاجرة المنتمية إلى المستويات العليا من رأس المال البشري ورأس المال المعرفي. وتفعيل برامج وسياسات وهياكل برامج نقل المعرفة التي اتبعتها بعض الدول العربية.عبر ربطها بحاجات التنمية وتطوير البحث العلمي النظري والتطبيقي. تحفيز الاتحادات والمنظمات العلمية العربية المختلفة للجامعات والمدن العربية والتنمية الزراعية وغيرها على التشبيك مع الباحثين والأساتذة في مجال اختصاصاتها.
كفاءات العربية العليا المهاجرة
وجذبهم إلى فعالياتها ومؤتمراتها وخططها وبرامجها البحثية.إعطاء الأولوية في اعتماد الخبراء للكفاءات العربية العليا المهاجرة. بما يساهم في الاستفادة منها في عملية التنمية، واتباع أساليب غير تقليدية في “استرجاعها”.تحرير القوانين كافةً مما يشكّل عوائق أمام استقطاب المهاجرين وتحويلاتهم وتيسير عودتهم أو تواصلهم مع الوطن.وضع مفهوم الانتقال الديموغرافي في صميم الإستراتيجيات والسياسات والخطط التنموية. اعتماد سياسات تنموية مستدامة تهدف إلى تحسين شروط الأمن الإنساني في المجتمعات العربية، بما يحد من هجرة الشباب. ويوظف ارتفاع حجم الشباب في التركيبة السكانية التي دخلت مرحلة الانتقال الديمغرافي في المجتمعات العربية. لتطوير عملية التنمية وتحقيق أهدافها. وإدماج مفهوم “الهبة الديموغرافية” الناتج من المرحلة التاريخية الاجتماعية العربية الراهنة .التي تتميز بارتفاع حجم الشباب في الأهداف والإستراتيجيات والسياسات والخطط التنموية.
وضع الانتقال الديموغرافي في إطار سياسات الانتقال الديمقراطي المؤسسي على أساس رؤية تنموية متكاملة. تركز على التطوير المؤسسي الديمقراطي لإدارة شؤون الدولة والمجتمع في البلدان العربية.وتعزيز القدرات البشرية والمعرفية للشباب. وإتاحة المجال أمامهم للمشاركة السياسية والمجتمعية في توسيع خياراتهم وفي تنمية مجتمعاتهم. والتمكن من ممارسة حقوقهم الاجتماعية والسياسية المواطنية وتعزيز شروط الأمن الإنساني للحد من تدفقات الهجرة الخارجية.