الهجرة السرية من المغرب
تعود مسألة حلم الهجرة إلى أوروبا و الهجرة السرية من المغرب في اتجاه الجنوب الاسباني. إلى واجهت الاحداث، بين الحين والآخر. إذ تعتبر احد اهم الملفات التي تؤرق التعاون بين البلدين.
في صباح كل يوم وخلال ساعات المساء. غالبا ما يواجه حرس الحدود الاسباني في الثغرين المحتليين. سبتة ومليلية، محاولات جماعية لمهاجرين من افريقيا جنوب الصحراء، اقتحام السياج الفاصل بين المدينتين والأراضي المغربية.
عادة ما تخلف هذه المحاولات. مصابين من الجانبين، في صفوف المهاجرين وفي صفوف قوات الأمن المغربي وكذا حرس الحدود الاسباني. لكنها تظل الطريقة التي يلتجئ لها غالبية الحالمين من هؤلاء بالوصول إلى ” الفردوس الأوربي “. بعد أن انقطعت بهم السبل في غابات شمال المغرب، في انتظار اجتياز بضع كلومترات نحو عالم اخر غير ذاك الذي تركوه وراءهم.
في كل محاولة لاقتحام للسياج الحدودي. ينجح العشرات في الوصول الى الجهة الأخرى. وبالتالي ووفقا للاتفاق مبرم بين الطرفين المغربي والاسباني، يتكفل الطرف الاسباني بوضع تلك المجموعة في مخيمات اللاجئين والتكافل بهم الى حين دراسة ملفاتهم. بينما تقوم الجهات المغربية بالتحقيق مع من فشلوا في المحاولة وتم القبض عليهم. وتسليمهم لسفارات بلدانهم، قصد ابعادهم. بينما تنجح مجموعة اخرى في الاختفاء وسط الغابات في انتظار محاولات اخرى.
ملف الهجرة السرية الى جانب ملفات الارهاب وعصابات تهريب المخدرات والتعاون الامني. تشكل محور نقاش يومي بين المغرب واسبانيا. كما تشكل موضوعا اعلاميا ومجتمعيا في كلا البلدين.
دعم اوروبي لوقف التدفق: بين معارض ومؤيد
تدافع الحكومة الاسبانية في مؤسسات الاتحاد الاوروبي، على دعم المغرب ماليا ولوجستيكيا. لأجل وقف تدفق المهاجرين مغاربة او افارقة جنوب الصحراء نحو الفضاء الأوربي.
فيما تتهم جهات اسبانية معارضة للمغرب. الاخير باستغلال الملف للضغط على اوروبا في ملفات سياسية. لإستجداء المزيد من المساعدات المالية الاوربية.
من هذه الجهات الصحفي الاسباني خوسيه اينسيناس الذي صرح قائلا: “عندما يريد المغرب مالاً فإنه يفتح صنبور الهجرة وعندما يتلقى المال يغلق” الصنبور، في اشارة الى وحصول المغرب على مساعدات مالية من مدريد، بقيمة 32 مليون يورو مخصصة لمراقبة الهجرة غير الشرعية وذلك بعد منحه 26 مليون يورو “لتزويد وزارة الداخلية المغربية بعربات”، فيما خصص الاتحاد الأوروبي 140 مليون يورو لإدارة الهجرة في المغرب.
كما تحسنت العلاقات بين الرباط وبروكسل منذ أن وافق البرلمان الأوروبي في فبراير 2019 على اتفاق الصيد البحري الذي تم التفاوض عليه بين المغرب والاتحاد الأوروبي. وحصل المغرب على مطلبه بتضمين “المياه المحاذية للصحراء ” في الاتفاق.
فيما ترى جهات أخرى، اسبانية وأوروبية، بأن المغرب ،لا يمكنه تحمل عبئ حراسة حدود الاتحاد الاوروبي، ولعب دور الدركي ،بدون دعم اوروبي، وتشير الإحصائيات الرسمية سواء المغربية منها أو الاوروبية، الى تراجع في عدد المهاجرين الذين استطاعوا الوصول الى جنوب اسبانيا او جزر الخالدات، انطلاقا من شمال او جنوب المغرب.
وقدر مدير الهجرة بوزارة الداخلية المغربية، عدد محاولات الهجرة التي تم اجهضتها السلطات المغربية ب74 الف محاولة في2019، بينما لم تتجاوز54 الف محاولة في 2017.
هذا التطور الملموس ،اعترف به وزير الداخلية الإسباني فيرناندو غراند-مارلاسكا خلال سابع اجتماع له مع نظيره المغربي عبد الواحد لفتيت ،إذ أشار الى “تراجع ملحوظ” في عدد المهاجرين الواصلين إلى بلاده، مشيداً بـ “التعاون الأمني”، مؤكدا أن مدريد “ستستمر في التأكيد لدى مؤسسات الاتحاد الأوروبي على أهمية التعاون مع المغرب باعتباره شريكاً استراتيجياً في مجال الهجرة وغيرها”.
الهجرة بين المقاربة الامنية والانسانية
لا تكف العديد من الجمعيات المدافعة عن حقوق الانسان والمهاجرين، عن انتقاد سياسات الدول بشأن المقاربة الامنية للهجرة السرية، وتغيب مقاربة اكثر انسانية.
بملف الهجرة ،عامة والأفريقية خاصة ،ملف ذو ابعاد متعددة، منها ما هو سياسي واقتصادي وانساني،” الدول الأوروبية تدرك أن سياسات أنظمة افريقية تدعمها ماليا وسياسيا، هو أنتج موجة هجرة الشباب الافريقي نحو اوروبا طلبا لمستقبل افضل” يقول يوسفو المهاجر السنيغالي المقيم في المغرب.
ويضيف: ” ليس بمقدور أي جهة الحد من هذه الموجه ، انظر هم يرتحلون بالعشرات من أقصى القرن الافريقي، نحو ليبيا والمغرب ،بحثا عن فرصة العبور نحو اوربا”.
ويكشف يوسف و بأن آلاف العائلات الفقيرة في بلاده تعيش على تحويلات أبناءها العاملين في مهن بسيطة في اوروبا”، واستدرك :” ما هو البدائل، لا بدائل”.
على ذات الطاولة في مقهى بوسط الرباط ، يعلق توري المهاجر المالي ،على حديث يوسفو، قائلا : ليس فقط العائلات الفقيرة، بل أيضا الدولة ، التحويلات تمثل جانبا مهما في أرصدة العملة الصعبة لبنوك الدول الافريقية ، نحن نعاني ،هم يستفيدون”.
ويحكي توري ،قصة مهاجر من نفس بلدته ،كان فلاحا، ورث قطعة ارض صغيرة ،ككل سكان القرية، حصلوا عليها ابان الحكم الاشتراكي في مالي، حيث قسمت ادارة اول رئيس مالي بعد الاستقلال موديبو كيتا، الأراضي على الفلاحين، هذا الصديق، حسب توري ،عجز عن الايفاء بديونه وتوفير العيش الكريم لأبناه، فباع قطعة الارض، وهاجر للمدينة ومنها إلى الخارج، ليخلص الى القول: “هو الأن قادر على توفير ظروف العيش والتمدرس والاستقرار لأبنائه ويفكر في تهجيرهم اذا سمحت الظروف”.
يمثل يوسفو الذي يعمل أستاذا للغة الفرنسية في إحدى المدارس الخاصة بالمغرب ،وتوري الذي يعمل في مجال البناء، نموذجا للاندماج الجيد للمهاجر في المجتمع المغربي، لكن يظل حلم الهجرة رغم ذلك يراودهم، بحثا حياة أفضل.
معالجة جديدة لمسألة الهجرة
يرد خالد الزروالي، مدير الهجرة بوزارة الداخلية المغربية، على من ينتقدون المقاربة الامنية المغربية لمسألة الهجرة، بالقول” لا نستهدف المهاجرين، الذين نعتبرهم ضحايا، بل نستهدف مهربي البشر الذين لا يترددون في استغلال هشاشة المهاجرين”
في سنة 2003 دعا الملك محمد السادس لسن سياسة وطنية جديدة في مجال الهجرة ،فانخرط المغرب فعليا وعمليا في تسوية الوضعية القانونية للعديد من المهاجرين، القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، وايضا السوريين والعرب ، تفيد آخر الإحصائيات أنه تمت تسوية وضعية أزيد من 50 ألف مهاجر/ة حاليا.
وتم سن سياسات لإدماج من تسوى وضعيتهم القانونية في المجتمع حيث أصبح الآلاف من المهاجرين مستقرين بالمغرب بشكل قانوني، ولهم حقوقهم الإنسانية كباقي المواطنين المغاربة، سواء في العيش الكريم، أو الصحة، أو التعليم، أو الشغل. تمكن العديد من المهاجرين الذين ينحدر أغلبهم من الدول الإفريقية، من الحصول على بطاقة الإقامة، التي أعفت البعض منهم التفكير في العبور نحو الضفة الأخرى فوق يم البحر الأبيض المتوسط.
هذه خطوة حولت المغرب من بلد عبور المهاجرين الى بلد استقرار، لكن ذلك لا يعني تماما، انتهاء معطلة الهجرة او حلها تماما، فالتفكير في الضفة الأخرى يظل حلما حتى لأولئك الذين يتمتعون بحقوقهم ككافة المغاربة، ان لم يكن ذات الحلم يراود أغلبية شباب المغرب انفسهم.
الهجرة السرية تدر المال
شأنها، شأن المخدرات، وتهريب السلع، والمالبورو. تعتبر الهجرة بقرة تدر ذهبا على عصابات تهريب البشر، اقل ما يمكن ان يدفعه المهاجر الافريقي ،القادم من اقرب دولة غرب افريقية لشمال القارة الف دولار امريكي.
يشحن في شاحنات ممتلئة بالعشرات من الضحايا يقاسمونه نفس الحلم ونفس الأمل. قد يكون متوسدا شحنة من الكوكايين. أو صناديق من المالبورو، أو سلعا مهربة. وما ان يصل الى كيلومترات قبيل حدود الجزائر او المغرب او موريتانيا او ليبيا. حتى يتم أخباره بأن رحلته انتهت هنا وعليه تدبير بقية المراحل نحو المتوسط.
هناك من ينجح في اجتياز الحدود والوصول إلى المدن الكبرى. وهناك من يموت عطشا في الصحراء. وتطمره الرياح، كأنه لم يكن يوما. بدون قبر وبدون علم ذويه وبدون….. ومن لم يمت في الصحراء عطشا،قد يغرق غدا في أعماق المتوسط. قلة من يصلون إلى بر الضفة الأخرى رغم ذلك” ثمة مصرون على العبور بأي ثمن”.
رحلة الاستغلال لم تنتهي
في المدن المغربية. الكبرى كما الصغرى، وفي كل شارع، أو ملتقى الطرق تجد اربعة او خمس من المهاجرين. يتسولون المارة، طرق متعددة للاستعطاف، باسم الدين. باسم النبي، باسم الإنسانية والاخوة، باسم الجوع، الهدف واحد ،استجداء المال. لا من أجل العيش فقط، بل أيضا لتوفير ثمن الرحلة عبر المتوسط نحو الجنوب الاسباني.
عصابات تهريب البشر. تعرض خدماتها لمن يدفع، لا فرق مغربيا كنت او من افريقيا جنوب الصحراء. إمرأة كنت او رجل، صغير او كبير. ومن لا يستطيع الدفع عليه ان يجرب حظه في هجمات تسلق سياج الثغرين المحتلين.
تبلغ ارباح مافيا تهريب المهاجرين من المغرب نحو الجنوب الاسباني 105 ملايير.
مخيمات لجوء
في مساء كل ليلة يعود العشرات من المهاجرين. الذي تنشروا منذ الصباح في العاصمة الاقتصادية المغربية. الدار البيضاء، الى مخيم اللجوء ، الذي اقاموه رغم انف السلطات ،امام محطة اولاد زيان للحافلات. يتجمعون في خيم صنعوها من البلاسيتك والكارتين. وأشياء اخرى، يطبخون ما جاد به الكرماء، وينامون جماعات. ونفس الحالة في مخيمات اخرى في الرباط وفي طنجة والغابات المطلة على سبتة ومليلية. حيث يبدو الحلم الوصول الفردوس الأوروبي قاب قوسين.