هجرة المرأة العربية هجرة الكفاءات
هجرة المرأة
تمثّل النساء منذ بدايات القرن الواحد والعشرين ما يناهز نصف عدد المهاجرين في العالم (49.6%)؛ أي ما يقارب 94.5 مليون مهاجرة بحسب تقرير “صندوق الأمم المتحدة للسكّان” لعام 2005. ومعظمهن غير مسجلات في بلدان الاستقبال ويعملن في مجال التمريض والترفيه والخدمات. وقد دفعت هذه الظاهرة بالباحثين في سوسيولوجيا الهجرة إلى الحديث عن ظاهرة تأنيث عالمي للهجرة الدولية وتحوّل صامت في خصائصها.
لقد اهتم المؤتمر بدراسة هجرة الفتاة العربية، وأبرزت بعض بحوثه تغير الصورة التقليدية المرتبطة نمطيًا بنموذج الشاب المهاجر إلى صورة الفتاة المهاجرة. ومن الناحية الوصفية. توقفت هذه البحوث عند تصنيف بعض تقارير الأمم المتحدة لتوزع المهاجرين من البلدان العربية بين 57.3% من الذكور و42.7% من الإناث. وهي نسبة أدنى من متوسط نسبة هجرة النساء في العالم، لكنها تعبّر في بعض مستوياتها عن تغير كبير في نظام القيم السائد في المجتمعات العربية، ولا سيما حين ترتبط بظاهرة هجرة الفتاة غير المتزوجة.
المرأة العربيّة
وتبرز المرأة العربيّة الشابة بدورها متغيّرًا مستجدًّا بدا أكثر بروزًا من ذي قبل في مختلف أصناف الهجرة من مختلف البلاد العربيّة مشرقًا ومغربًا. ولكنّ ظاهرة هجرة النساء تظلّ مع ذلك رقمًا شبه غائب عن مساحات البحث والدرس. وتكاد المكتبة العربيّة تخلو من دراسات معمّقة تستهدف التناول العلمي لظاهرة هجرة النساء من بلادنا العربيّة. ومن المؤكّد أنّ نسق البحث العربيّ في مجال العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة لا يزال يجهل الكثير عن مختلف تلك التجارب والممارسات والدوافع والمسببات القائمة وراء ظاهرة الهجرة النسائيّة باستثناء الفهم النمطي لما هو ظاهر منها أو متوقع بشأنها.
والذي يرتبط بمفهوم الدراسة التي تتحول إلىهجرة المرأة العربية. إن أحدث التقارير الصادرة عن جامعة الدول العربيّة بعنوان “التقرير الإقليمي للهجرة الدولية العربية: الهجرة الدولية والتنمية 2014” لم يتعرض للهجرة غير المشروعة للنساء. سوى بالإشارة إليها بصفة محدودة جدًّا. وإذ تعتني بعض البحوث بالمرأة المهاجرة من بعض دول العالم إلى دول المنطقة العربية، فإنها تهمل ظاهرة هجرة المرأة العربية إلى الدول الأخرى. وكأن المرأة العربية لا تهاجر إلّا بصفة زوجة أو لطلب العلم.
بحوث المؤتمر
رصدت بحوث المؤتمر معالم بروز موقف “متسامح” جديد تجاه هجرة المرأة في كل من المجتمع اللبناني والمجتمع المغربي. ووفق نتائج البحث في الحالة اللبنانية، رصدت البحوث والمناقشات ليونة موقف الأهل والمجتمع ومرونته عمومًا من هجرة الفتاة اللبنانية في عمر متدنٍ “نسبيًا”. ما جعله أمرًا لافتًا للانتباه. كما رصد بحث آخر بالنسبة إلى حالة المغرب، تشكل مواقف مجتمعية مثمنة لهجرة الإناث، حتى اللواتي يهاجرن خارج إطار التجمع الأسري، واستنتج البحث أن هذا يفسر التطور الذي عرفته الهجرة النسوية في المغرب ابتداءً من أواسط الثمانينيات.
أظهرت بحوث هذا المحور أن الدول العربية، سواء أكانت مشرقيّة أم مغاربيّة، لم تنأَ عن المنحى العالمي الجديد لهجرة النساء الدولية، لتكثف ظاهرة هجرة النساء في السنوات الأخيرة في نمط الهجرة العربية الشبابية. إذ يسجّل الأردن ولبنان على سبيل المثال معدّلات هجرة نسائية مرتفعة. وبحسب قسم الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة تجاوزت معدلات هجرة المرأة العربية معدلات هجرة الرجال في عام 2005.
الهجرة
وبلغت الهجرة في أوساط اللبنانيات نحو 11% (378 ألف امرأة مهاجرة) من مجمل عدد السكّان مقابل 8% في أوساط الرجال. وأمّا في الأردن فتساوت معدّلات الهجرة بين الذكور والإناث تقريبًا (19.99% من مجمل السكّان بالنسبة إلى الذكور و19.15% بالنسبة إلى الإناث). أمّا الأرقام الكلية لهجرة المرأة العربية الدولية فتشير عمومًا – لكن من دون تمييز بين المرأة المنفردة التي تهاجر من دون روابط أسرية أو زواجية والمرأة المتزوجة – إلى تربع المرأة المغاربية على رأس القائمة على المستوى الإقليمي، بينما يبلغ حدها الأدنى في مجموعة دول الخليج.
لقد بينت بحوث هذا المحور ومناقشاته الاتجاهات الجديدة المسكوت عنها أو غير المدروسة في هجرة الفتاة العربية الشابة، ومنها الهجرة غير الشرعية، وبروز ظاهرة هجرة النساء العربيات إلى بعض الدول العربية التي تمر بنزاعات مسلحة شديدة أو باقتتالات وتمزقات أهلية، وكذلك بروز ظاهرة هجرة المرأة العربية من تلك الدول الفاشلة عبر” قوارب الموت” ونشوء مشكلة الأطفال القصر مع بعض النساء المتزوجات المهاجرات. وفي ذلك تبنت بعض بحوث هذا المحور مفهومًا مرنًا للهجرة يشمل المهاجرين بهدف اللجوء بوسائل وصول غير شرعية أو غير نظامية إلى “الجنة الموعودة” للتعويض عن فقدان الأمن الإنساني.
هجرة الكفاءات
كان أحد أبرز محاور اهتمام المؤتمر متمثّلًا بهجرة الكفاءات العربية.التي تميزت بتحقيقها مستويات عليا ماهرة من قدرات رأس المال البشري.وصولًا إلى أعلاها المتمثل برأس المال المعرفي. وهو الذي يمثّل القوة الحقيقية في ما يطلق عليه الاقتصاديون الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج (TFP). وقد تم تحليل هذه الإشكالية في كثير من البحوث والمقالات النظرية والمسوحات التطبيقية. وكذلك الدراسات السياساتية المتعلقة بأشكال استعادة الكفاءات بأساليب وبرامج جديدة. وبطريقة تدفع إلى الاعتقاد أن هذا الموضوع قد كان الفرع الموضوعاتي الأكثر جدية.ليس لدى الباحثين فحسب. بل ولدى واضعي السياسات أيضًا. لكنّه ما يزال مفتوحًا للبحث انطلاقًا مما تراكم في مجاله، لتدقيقه من جهة، ولتأكيده في مرحلة إخفاق السياسات التنموية في استعادة الكفاءات المهاجرة.
ما تزال الهجرة الاحتمالية لخريجي التعليم العالي في معظم البلدان العربية تمثّل أكثر من نصف الشريحة.التي ترغب في الهجرة الدائمة,كما أن الهجرة الفعلية لأصحاب الكفاءات ما تزال مستمرة في التصاعد. ولا سيما في دول المغرب العربي. فقد أبرزت بعض بحوث المؤتمر أنّ نسبة المغاربيين، ولا سيما الجزائريين من ذوي الكفاءات الجامعية. ارتفعت من 9.2% عام 1990، إلى 17.6% عام 2000. ثم إلى 22.3% عام 2010، وأن هجرة الكفاءات من المغرب العربي قد بلغت نحو 52% من حجم هجرة الكفاءات العربية, وتستحوذ أوروبا على نحو 86% منها. مقابل 6% في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، و8% في أفريقيا وأميركا الشمالية بنسبة 4% لكل منهما.
هجرة كفاءات رأس المال البشري والمعرفي
ما تزال وتيرة هجرة كفاءات رأس المال البشري والمعرفي العربي مستمرة. وقد أبرزت بحوث المؤتمر في هذا المجال أن وتيرة هجرة هذه الكفاءات.أو عدم عودتها إلى وطنها ترتفع مع ارتفاع مستواها العلمي. وهذه نتيجة محبطة تشير إلى العوامل الطاردة لتلك الكفاءات في المجتمعات الوطنية للدول العربية. ذلك أن حجم المهاجرين من تلك الكفاءات فاق دومًا حجم العائدين. وتختلف مستويات الطرد كميًا لكنها لا تختلف نوعيًا. ويبدو أن شروط الطرد مفهومة جدًّا حتى من باب تقني يتعلق بمدى قابلية الاقتصادات القُطريةأو الوطنية الصغيرة والضعيفة لاستيعاب تلك الكفاءات.
وليس من قبيل مدى تقديرها الوطني التنموي بالضرورة؛ وهذه مشكلة موضوعية أبرزتها بحوث المؤتمر في هذا المحور. ومن هنا، اختار المؤتمر دراسة سياسات استعادة تلك الكفاءات بأسلوب منمذج من خلال دراسة الحالة الجزائرية وهي تعبّر عن حالة عربية. وما هدف إليه المؤتمر هو تأكيد تحليل السياسات العامة في هذا المجال ونتائجها المحبطة. وفي جوهر رسالة هذا التقرير الخلاص.ي فإنه سيكون من المستحيل على البلدان العربية .تحقيق عملية نمو مستدامة في البلدان العربية من دون استيعاب هذا الجانب الحيوي الابتكاري في عملية التنمية.بالنظر إلى مركزيته في ما يسميه الاقتصاديون الإنتاجية الكلية لمجمل عوامل الإنتاج التي يرتكز عليها الاقتصاديون .عادةً عند المحاسبة على مصادر النمو الاقتصادي.وتبين إذا كان هذا النمو قد تم توسعيًا عبر مدخلات الإنتاج الكمية التوسعية أو نوعيًا عبر إنتاجية مجمل عوامله التي تمثّل المصدر النوعي للنمو الاقتصادي التنموي.