قوارب الموت”.. قصة هجرة الشباب العربي لضفاف أوروبا”
قصة هجرة الشباب العربي لضفاف أوروبا
لكن عندما تحقق الظن، وخابت الآمال وبلغت القلوب الحناجر، لم يغنهم صياحهم من الموت شيئا، وعندما غلبتهم أمواج البحر فغرقت أرواحهم في ملكوت بارئها بينما طفت أجسادهم الهزيلة من طول السباحة ومغالبة الموج، وجد طاقم انتشال الغرقى رسالة ذلك الشخص الذي لا نعرف اسمه، وقد أذاب ملح البحر ملامحه بينما ظلت كلماته منقوشة على ورقة مهترئة تحكي قصته وقصة آلاف المهاجرين العرب الذين فروا من جحيم الحرب في سوريا والعراق وليبيا، أو جحيم الاستبداد في مصر، أو جحيم الفاقة والفقر والبطالة في أغلب البلاد العربية والإفريقية.
فكتب يقول: “أنا آسف يا أمي لأن السفينة غرقت بنا ولم أستطع الوصول إلى هناك، كما لن أتمكن من إرسال المبالغ التي استدنتها(أ) لكي أدفع أجر الرحلة. لاتحزني يا أمي إن لم يجدوا جثتي، فماذا ستفيدك الآن إلا تكاليف نقل وشحن ودفن وعزاء.
أنا آسف يا أمي لأن الحرب حلّت، وكان لا بد لي أن أسافر كغيري من البشر. مع العلم أن أحلامي لم تكن كبيرة كالآخرين، كما تعلمين كل أحلامي كانت بحجم علبة دواء للكولون لك، وثمن تصليح أسنانك. بالمناسبة لون أسناني الآن أخضر بسبب الطحالب العالقة فيه، ومع ذلك هي أجمل من أسنان الديكتاتور.
اللجوء
أنا آسف يا حبيبتي لأنني بنيت لك بيتا من الوهم، كوخا خشبيا جميلا كما كنا نشاهده في الأفلام. كوخا فقيرا بعيدا عن البراميل المتفجرة وبعيدا عن الطائفية والانتماءات العرقية وشائعات الجيران عنا. آسف يا أخي لأنني لن أستطيع إرسال الخمسين يورو التي وعدتك بإرسالها لك شهريا لترفه عن نفسك قبل التخرج. أنا آسف يا أختي لأنني لن أرسل لك الهاتف الحديث الذي يحوي “الواي فاي” أسوة بصديقتك ميسورة الحال. آسف يا منزلي الجميل لأنني لن أعلق معطفي خلف الباب. أنا آسف أيها الغواصون والباحثون عن المفقودين، فأنا لا أعرف اسم البحر الذي غرقت فيه.
اطمئني يا دائرة اللجوء فأنا لن أكون حملا ثقيلا عليك. شكرا لك أيها البحر الذي استقبلتنا بدون فيزا ولا جواز سفر, شكرا للأسماك التي ستتقاسم لحمي ولن تسألني عن ديني ولا انتمائي السياسي, شكرا لقنوات الأخبار التي ستتناقل خبر موتنا لمدة خمس دقائق كل ساعة لمدة يومين.شكرا لكم لأنكم ستحزنون علينا عندما ستسمعون الخبر.